16 أيلول «الإنجيل

 

 

 

 

إنجيل اليوم  ( يو 8/ 21- 30)

 

 

 

21 عاد يسوع يقول لليهود: "أنا أمضي، وتطلبونني وتموتون في خطيئتكم. حيث أنا أمضي لا تقدرون أنتم أن تأتوا".

22 فأخذ اليهود يقولون: "أتراه يقتل نفسه؟ فإنّه يقول: حيث أنا أمضي لا تقدرون أنتم أن تأتوا".

23 ثمّ قال لهم: "أنتم من أسفل، وأنا من فوق. أنتم من هذا العالم، وأنا لست من هذا العالم.

24 لذلك قلت لكم: ستموتون في خطاياكم. أجل، إن لم تؤمنوا أنّي أنا هو تموتوا في خطاياكم".

25 فقالوا له: "أنت، من أنت؟". قال لهم يسوع: "أنا هو ما أقوله لكم منذ البدء.

26 لي كلامٌ كثيرٌ أقوله فيكم وأدينكم. لكنّ الّذي أرسلني صادق. وما سمعته أنا منه، فهذا أقوله للعالم".

27 ولم يعرفوا أنّه كان يحدّثهم عن الآب.

28 ثمّ قال لهم يسوع: "عندما ترفعون ابن الإنسان، تعرفون حينئذٍ أنّي أنا هو، وأنّي لا أعمل شيئًا من تلقاء نفسي، بل كما علّمني الآب أتكلّم.

29 والّذي أرسلني هو معي، وما تركني وحدي، لأنّي أعمل دومًا ما يرضيه".

30 وفيما هو يتكلّم بهذا، آمن به كثيرون.

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنّصّ

 

 

 

 في هذا النصّ الوارد، مع شرحه، يومي الأربعاء والخميس من أسبوع النسبة، زمن الميلاد، تشديد على أنّ الخلاص من الخطيئة والهلاك لا يتمّ إلاّ بالإيمان بيسوع المسيح، الذي، له وحده، السلطان على الخطيئة والموت، وعلى الهلاك! وما الخلاص سوى العبور مع المسيح إلى جوار الله الآب.

 

 

 

ما قاله يسوع لليهود، وبالتالي لنا أيضًا، وهو خاصٌّ به، هو التالي: "أنا أمضي"، "أنا من فوق"، "أنا لست من هذا العالم"؛ يدعو الرّبّ يسوع اليهود، ويدعونا نحن أيضًا، إلى وعي الحقيقة التالية.

 

إنّه ليس من هذا العالم، الذي نحن فيه، والذي نعرفه، ولا نعرف سواه كما نعرفه؛ إنّه من عالم آخر، أفضل بكثير، بما لا يقاس، من هذا العالم؛ وإنّه عائد، بعد إتمام رسالته إلى عالمه، إلى عالم ملكوت الله الآب الذي أرسله.

 

 

 

 ما قاله يسوع لليهود، وبالتالي لنا، والخاصّ بهم وبنا، يتوزّع على النقطتين التالتين.

 

 

 

"سوف تطلبونني"، "وحيث أمضي لا تقدرون أنتم أن تأتوا"، فتموتون في خطيئتكم؛ "أنتم من أسفل...، أنتم من هذا العالم"؛ ستموتون في خطاياكم؛ أجل، إن لم تؤمنوا أنّي أنا هو تموتوا في خطاياكم".

 

 

ما قاله يسوع لليهود، ينطبق على كلّ إنسان، علينا بالذات، إذا ما كان موقفنا من يسوع كموقف اليهود منه، لأنّه سوف نشعر بالحاجة إليه يومًا، فنطلبه، وقد لا نقدر أن نصل إليه، ونموت عندئذٍ في خطايانا؛ يدعونا الرّبّ إذن، إلى التفلّت والتحرّر من الحاضر الزمنيّ، الذي يلهينا، ويحول دون شعورنا بالحاجة إليه، وإلى استحضار "المستقبل"، أي اللّا زمنيّ أو الأبديّ، الذي فيه، سنصبح بحاجة، بكلّيّتنا إليه، لكي نبدأ، منذ اللّحظة، بالعيش معه وله، في إطار الإيمان والرجاء والمحبّة.

 

 

 ماذا فهم اليهود من أقوال يسوع، وكيف فهموا ما سمعوا؟

 

توقّف اليهود هنا، عند أقوال يسوع، التي تتناول مصيره: "أنا أمضي...، وحيث أنا أمضي لا تقدرون أنتم أن تأتوا"، فأثار قوله هذا لديهم، التساؤل التالي: "أتراه يقتل نفسه؟"؛ مع أنّ أقوال يسوع توقظ لدى سامعها السؤال البشريّ الأساس والغامض حول مصيره، ويقدّم له "الإيمان" كعنصر اطمئنان شخصيّ أكيد!

 

 

 

عندما سمع اليهود ما أضاف يسوع على دعوته لهم إلى الإيمان به، قائلاً: "إنّي أنا هو" (24)، سألوه قائلين: "أنت، من أنت؟"، فجاء جوابه في النقاط الثلاث التالية.

 

 

 

 "أنا هو ما أقوله لكم منذ البدء"، أي أنا هو المخلّص المنتظر، الذي وعد الله الآب الإنسان الخاطئ بإرساله إليه، لكي يخلّصه من الخطيئة؛ أنا هو كلمة الله، التي غرسها الخالق في قلب الإنسان وكيانه، لكي يبقى دائمًا، مهما خطئ وابتعد وضلّ، مفتّشًا عنه، ومتصوّرًا له، وتائقًا إليه، بشهادة التاريخ البشريّ برمّته.

 

 

 أنا هو الذي يقول للعالم ما سمعه من الله الآب؛ والذي يتكلّم مع العالم بما تعلّمه من الله الآب؛ في هذا المجال، ليسوع مآخذ على اليهود، في فهمهم للتّعليم الذي أعطوه بالشريعة والأنبياء، وفي سلوكهم الأخلاقيّ  والاجتماعيّ، وفي مواقفهم منه ومن تعليمه وأعماله؛ ولكنّه، لم يأت ليقول ذلك، ويدينهم عليه؛ بل أتى ليقول لهم وللعالم، وذلك بصورة دعوة ملحّة إلى الإيمان، ما سمعه من الله الآب، وتعلّمه منه، وهو صدق، لأنّ الله الذي أرسله صادق.

 

 

 وأخيرًا، أنا هو الذي لا يعمل شيئًا من تلقاء نفسه، بل يعمل دومًا ما يرضي الله الآب، الذي أرسله، وهو معه، ولن يتركه لوحده.

 

 

 يشير يوحنّا الإنجيليّ إلى أنّ كثيرين ممّن سمعوا يسوع آمنوا  به ( 30)؛ أمّا اليهود، فلم يعرفوا أنّه كان يحدّثهم عن الله الآب، وما شاؤوا أن يعرفوا، وأن يفهموا؛ لذلك، قال لهم يسوع: "عندما ترفعون ابن الإنسان، تعرفون أنّي أنا هو" ( 28)، معلنًا لهم عن آلامه وموته مرفوعًا على الصليب، وعن قيامته مرفوعًا من القبر، وعن صعوده إلى السماء وتمجيده مرفوعًا عن يمين الله الآب؛ ولكنّ اليهود لم يروا سوى رفعه على الصليب.

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

هذا النصّ هو إطار الجدل بين يسوع وخصومه، الذي كان يدور دومًا حول كيانه العميق، وعلاقته بأبيه ( يو 8/ 19)، الذي يكفل له رسالته؛ والجدل هنا، هو في التعارض بين اليهود: فحيث يمضي، هم لا يقدرون أن يأتوا! إنّهم لا يفهمون، ولا يريدون أن يفهموا! إنّهم لا يؤمنون، ولا يريدون أن يؤمنوا! ذلك كان موقف اليهود، حيث  كتب الإنجيل الرابع.

 

 

 الآية (22)

 

 

يعلن اليهود، من دون أن يدروا، المصير الذي ينتظر يسوع، بقولهم: "أتراه يقتل نفسه؟"، أي أتراه يبذل حياته؟ ( يو 10/ 1-18)؛ كما أعلن قيافا، من دون أن يدري  (يو 18/ 14)، وكما قال بيلاطس، وهو جالس على كرسيّ القضاء ( يو 19/ 13-14).

 

 

 الآية ( 24)

 

 

هنا ذكر لاسم الله في العهد القديم ( راجع يو 8/ 58؛ قارن يو 6/ 35 مع خر 3/ 14)؛ نلاحظ وجود "أنا هو" في المطلق، من دون شيء يتبعها، كالقول: "أنا هو خبز الحياة"؛ الإيمان بيسوع هو حياة، وعدم الإيمان به هو خطيئة تقود إلى الموت.

 

 

 الآيات ( 25- 30)

 

 

تضعنا هذه الآيات في إطار الجدل بين يسوع وخصومه، الذي كان يدور دومًا  حول كيانه العميق، وعلاقته بأبيه ( يو 8/ 19)، الذي يكفل له رسالته؛ وحين سأله اليهود: "أنت، من أنت؟" جاء جوابه شبيهًا بجواب الله لموسى في العلّيقة الملتهبة: "أنا هو" ( 24، 28؛ راجع خر 3/ 14)؛ ويوضح يسوع كلامه، ويعلن أنّه سوف يكشف على الصليب، كيانه الحقيقيّ، ورسالته التي تحمل الحياة ( 21- 30).

 

 

 

 شرح عبارات وكلمات

 

 

منذ البدء ( 25)

 

 

أي كما أخبرتكم، وما زلت أخبركم؛ هذا ما قاله يسوع للعالم ( 7/7؛ 12/ 49؛ 14/ 10).

 

 

ولم يعرفوا ( 27)

 

تحدّث يسوع إلى اليهود عن نفسه، وعن الآب؛ ولكنّهم لم يعرفوا، وما فهموا، لأنّ عيونهم أعميت عن كلامه.

 

 عندما ترفعون ابن الإنسان...( 28)

 

 

على الصليب ( 3/ 14)؛ فسيرفع يسوع في المجد ( 12/ 32، 34)، لتظهر ألوهيّته كما تظهر صحّة أقواله.

 

 هو معي ( 29)

 

هكذا كان الله مع موسى ( خر 3/ 12)، ومع يشوع ( يش 1/5)، ومع مريم العذراء ( لو 1/ 28)؛ ولكنّ الله مع يسوع هو بشكل يفوق الوصف ( 16/ 32)؛ إنّ يسوع في الآب والآب فيه!

 

 أعمل دومًا ما يرضيه ( 29): راجع ( يو 4/ 34).

 

آمن به كثيرون ( 30)

 

راجع ( يو 20/ 31).

 

 

الأب توما مهنّا